تاريخ حليّ الأزياء:من ابتكرها وكيف تطورت؟

في قرنٍ باتت حليّ الأزياء أو أكسسوارات الزينة، المعروفة أساساً بالـCostume Jewelry، قِطعاً يسعى إلى اقتنائها جامعو التصاميم النادرة، لم يَعُد يفرّق بينها وبين المجوهرات سوى خيطٌ من حرير... تاريخ إبداعٍ سطّرته دور الخياطة العالميّة، يداً بيد مع أعرق حرفيّي الـParure، نقرأ محطّاته في التقرير التالي.

ثورة موضة

لم تستفق حقبة التشارلستون الصاخبة، بعد انقضاء الحرب الأولى، على فجرٍ لا سابق له في حليّ الأزياء، أو ما كان يُعرف حتّى عهد "ملك الموضة" والأزياء الاستعراضيّة، الفرنسيّ بول بواريه Paul Poiret، في عشريّة القرن المنصرم الأولى، بالـCostume Jewelry. فجرٌ إنّما استمدّ خيوط أنواره من القرن الـ17، حين كانت وفرة اللؤلؤ كأكسسوارٍ مرافق لكلّ زيّ شرطاً من شروط الموضة. ولندرة هذه الجوهرة وكلفة اقتنائها الباهظة، شهدت باريس على اختراع لآلئ زائفة من زجاجٍ منفوخ محشوّ بالشمع. ولمحاكاة بريق الماس، ولو بومضاته، اشتهرت لاحقاً خلال هذا القرن حلية Diamante، معجون الزجاج المقطّع يدويّاً، التي كانت تزدان بها حاشيات البلاطات، ورائدها الفرنسيّ جورج ستراس Georges Strass عام 1734. وعندما تربّعت الملكة فيكتوريا على عرش إنجلترا عام 1837، روّجت لموضة حليّ الأزياء، تزامناً مع المجوهرات الفاخرة، وكانت تتألّق بها شخصيّاً.

بيد أنّ مصطلح Costume Jewelry، خارج ظلّ وختم حكم الملوك والأباطرة، بقي حتّى أواخر حقبة La Belle époque إشارةً إلى حليّ لا تليق بمعايير الترف... إلى أن وضع مصمّمو الخياطة الراقية الفرنسيّين بصمتهم على هذا النوع من الحليّ... أو حين تجرّأت مبتكرة الفستان الأسود الصغير، كوكو شانيل Coco Chanel، على الاعتراف: "لا أهوى سوى المجوهرات الزائفة"، مُطلقةً صيحة العقد-السلسال الطويل والمتعدّد الطبقات، يشكّله مزيجٌ من الكريستال الملوّن واللؤلؤ الصناعي والحجارة الكريمة، كرفيقٍ لأمسيات حفلات الكوكتيل، الرائجة في العشرينيّات، يتراقص على خصر تصميم زيّها الأسود الأيقونيّ في حلّة التشارلستون. من هنا جاءت تسمية Cocktail Jewelry، مرادفةً لحليّ الأزياء آنذاك، التي خصّتها شانيل بمجموعاتٍ موسميّة أدخلتها إلى أوساط سيّدات المجتمع الراقي.

في الثلاثينيّات، سطع بريق مادّة البلاستيك الملوّن، تزامناً مع فنّ الـArt Deco، الذي استُوحيت من خطوطه الهندسيّة أغلب حليّ أزياء تلك الحقبة، كذلك موضة  White on Whiteفي الأساور المتعدّدة حول كلا المعصمين. أمّا "ملكة الغرابة"، المصمّمة الإيطاليّة إلسا سكاباريلّي Elsa Schiaparelli، فأدخلت نفحةً من الفنّ السرياليّ وشخصيّات عالم السيرك والموسيقى إلى تصاميمها، كالبروشات المنفّذة بطلاء المينا. فكانت وفرة تلك المجوهرات الزائفة تذكرة الأزياء الرصينة إلى إطلالة الرخاء...

*مقولة نشرتها متاجر Marshall Field الأميركيّة في كتالوجاتها عام 1925.   

 

رفيقة الإطلالة

مع نشوب الحرب العالميّة الثانية، تمّ حظر تصدير واستيراد المعدن الثمين وبعض الأحجار الكريمة داخل أوروبا وبين الأخيرة ومدن الولايات المتّحدة. ولأنّ المعادن الأساسيّة، كالنحاس، كانت حكراً على الاستخدامات الحربيّة، لم يبقَ سوى فضّة السترلينغ لمعادلة تأثير معدن البلاتين؛ فختم معظم حليّ تلك الحقبة، التي اضطرّ خلالها كبار مصمّمي أكسسوارات الأزياء على استخراج اللؤلؤ والخرز وأحجار الراين من رداءات المسرح والتمثيل وفساتين السهرات لصنع حليهم، فيما شاع استخدام الصدف وبذور القرع وخشب الخيزران والجلود وخيوط الصوف في تصميم العقود الملوّنة وسواها.

ولإضافة لمسة ألق وترف إلى أزياء المرأة العاملة خلال الحرب الكبرى، ونجمتها بدلة Carnegie Suit لمبتكرتها هاتّي كارنيجي Hattie Carnegie، كان من الأخيرة أن ابتدعت خطّ العقد القصير مع قرطين مطابقين له. موضةٌ أعادت إلى الواجهة فنّ الروكوكو والطقم بالأسلوب الفكتوريّ، وأكملت مشوارها لاحقاً مع حقبة الخمسينيّات التي سلّمت مفاتيح الأناقة لكريستيان ديور Christian Dior وخامات إطلالات الـNew Look الثقيلة والجامدة، التي فرضت الاكتفاء ببروش وطقمٍ على غرار الأربعينيّات، إنّما صاغها مبدع الخمسينيّات بأنماط زنبقة الوادي وأزهارٍ برّيّة افترشت حقول طفولته...

ولمّا كان سوار التمائم أكثر الحليّ جرأةً في عقدٍ اتّسمت زينته بالرصانة والكلاسيكيّة، انقلبت المعادلة في ستّينيّات الأزياء البوهيميّة الطابع وفنّ البوب، وازدانت الإطلالات بأقراطٍ وخواتمَ وعقود أقلّ ما يمكن أن يقال عنها أنّها بارزة وجريئة نمطاً وخامةً، لوناً وحجماً، مع أسماء إيطاليّة مثل كوبّولو إي توبّو Coppolo e Toppo وإميليو بوتشي Emilio Pucci وباكو رابان Paco Rabanne، الذي خاطب عبر بلاستيك الـPVC "الجانب الجنونيّ" في امرأة عصره.     

 

الحليّ ثمّ الحليّ

مع انبثاق شرارة موسيقى الديسكو في السبعينيّات، تمحورت الإطلالة حول الأقراط الضخمة والخواتم الكبيرة الحجم، بالتوازي مع الحليّ التي رافقت أزياء موضة الـPunk، كالأطواق والأساور الجلديّة، إلى جانب التصاميم المعدنيّة الحادّة، ورائدها مصمّم حليّ الأزياء روبيرت لي موريس Robert Lee Morris، الذي بصمت أعماله أكسسوارات مجموعات Donna Karan لمواسم عديدة.

أمّا موضة ثمانينيّات القرن العشرين، فكانت أشبه بقنبلةٍ من التناقضات، تداخلت فيها حليّ الحقبات القديمة مع المجوهرات الرخيصة الصارخة، على قامات فنّاناتٍ استعراضيّات، مثيلات مادونا؛ في حين رافق اسما ويلي ڨان روي Willy Van Rooy وأوغو كورّياني Ugo Correani عروض أشهر مصمّمي تلك الحقبة، نذكر منهم بالتسلسل إيف سان لوران Yves Saint Laurent وكارل لاغرفيلد Karl Lagerfeld لدار Chanel، الذي قدّم لأوّل مرّة لوغو الدار بحرفيّ C متداخلين في أساور التمائم وسواها.

كردّة فعلٍ على صخب وضخامة تصاميم تلك الفترة، اتّشحت أناقة التسعينيّات برداء البساطة أو ما عُرف وقتها بالـMinimalism، مع مصمّمين كبار كـ جورجيو أرماني Giorgio Armani، فتقلّص شأن حليّ الأزياء، إلّا في مجموعات دُورٍ مثل Dolce & Gabbana وMoschino، حيث لم يَغبْ البذخ الدراميّ عن إطلالاتها.

مع بزوغ فجر القرن الواحد والعشرين، استفاقت موضة الأحجار الثمينة من سباتها على قامات نجمات السجادة الحمراء، ما دفع بعددٍ من دور الأزياء العالميّة إلى إطلاق دورٍ للمجوهرات الفاخرة خاصّة بها، امتدّ صداها إلى منصّات عروض الموضة، حيث باتت تُطلى بعض حليّ الأزياء بالمعدن النفيس على الأقلّ سبع مرّات وتُستوحى من الحقبات الغابرة.

 

منصّة هوليوود

لم يكتفِ صنّاع الموضة بمنصّات عروضهم لنشر خطوط حليّ أزيائهم، بل أحاطوها بهالةٍ من الترف وقّعتها نجمات الشاشة الذهبيّة، ولاحقاً التلفزيون، على مرّ عقود القرن العشرين. فشكّلن حلم الماس في بهاء الـDiamante وسواه من الجواهر الزائفة، على الشاشة وخارجها عبر الإعلانات، ما فتح المجال واسعاً لإنتاج نسخٍ مطابقة للأصل لِما كنّ يزدنّ به.

أمّا الأنامل السحريّة خلف معظم تلك الإطلالات، فكانت لصاحبها يوجين جوزف Eugene Joseff، الذي اشتهر بعلامته ومتاجره تحت اسم Joseff of Hollywood. تألّقت ببريق حُليه ممّثلات كـ بيت ديفيس Bette Davis في فيلم The Private Lives of Elizabeth and Essex عام 1939، وفيفيان لي Vivien Leigh في الإنتاج الضخم Gone with the Wind في العام نفسه، وإليزابيث تايلور Elizabeth Taylor في الفيلم التاريخيّ Cleopatra عام 1963، الذي أعاد كما سابقَيه حليّ الحقبات القديمة إلى واجهة الموضة. فما كان من النساء المولعات بألق تلك الإطلالات إلّا التوجّه إلى متاجر Joseff of Hollywood، أو Woolworth للحصول على نسخ بأسعارٍ معقولة.

أمّا قمّة الترف الهوليوودي، فكانت في حقبة الخمسينيّات مع نجماتٍ مثيلات مارلين مونرو Marilyn Monroe، تألّقن بعقودٍ ثريّة بالتفاصيل من توقيع Joseff of Hollywood، لجذب الأنظار إلى قصّة الصدر الأيقونيّة، وقد صيغ بعضها بالمعدن النفيس بعد انقضاء الحرب العالميّة الثانية.

ومع رواج الشاشة الصغيرة، بصمت السبعينيّات والثمانينيّات إطلالات مسلسلَيّ Dynasty وDallas المتّسمة بالبذخ في بريق الـDiamante، الذي شُرّع في حليّ الأزياء النهاريّة وبلغت معه أحجام الأقراط أوجها.

 

أيقونةٌ تضاهي الجوهرة

خلف حليٍّ صيغت من موادّ غير ثمينة في معظمها، مثل المعدن والزجاج والبلاستيك، أسماءٌ عريقة استحقّت لقب Paruriers، الذي رافق حرفيّي صناعةٍ أنتجوا أفخر أكسسوارات الزينة لدور الخياطة الراقية الباريسيّة في النصف الأوّل من القرن المنصرم. تريفاري Trifary، روجيه سكيماما Roger Scemama، كورو Coro، باتلر أند ويلسون Butler & Wilson ومونيه Monet... أسماءٌ يبحث كلّ توّاقٍ إلى النفيس في عالم الموضة عن تواقيعها في ظهر قطع الندرة والأسلوب الذي قد يتخطّى قيمةً بريق مُجوهر.

شاع جمع حليّ أزياء الحقبات ابتداءً من الثمانينيّات، حين تجدّد الاهتمام بأكسسوارات الزينة. وكان، ولمّا يزل، انجذاب الجامع الشغوف مصوّباً نحو القطع الموقّعة، لضمان أصالتها، ناهيك بالأثر العاطفيّ الذي تخلّفه في نفسه. على أنّ توقيع حليّ الأزياء لم يكن رائجاً قبل انقضاء الحرب العالميّة الثانية، إلّا في بعض الإصدارات التي كانت تحمل فقط مصدر البلد المصنّعة فيه، كتلك التي تعود إلى حقبة الـArt Deco والتي يسهل التدقيق في أصالتها أكثر من سواها. إلّا أنّ القطع القديمة غير الموقّعة تبقى محور بحث البعض لتصاميمها الاستثنائيّة والنادرة.

تماشياً مع هذه الصيحة، لا تنفكّ دور الأزياء العالميّة تنهل من نبع أكسسوارات زينة الحقبات في قطعٍ مصاغة يدويّاً على غرار الأخيرة وخلافاً لِما يقدّمه السوق الاستهلاكيّ اليوم؛ مع تمييز مجموعات الخياطة الراقية عن تلك الجاهزة بحليّ مطليّة بالذهب عيار 18 أو 22 قيراطاً وذات تصاميم يزخر فيها الإبداع، الذي لطالما كان عُذر كلّ Grand Couture لاستحقاق ألق الجواهر. 

سمات :
أضف تعليقا
المزيد من أكسسوارات