كيف يستمر الزواج في غياب العلاقة الحميمة؟

قد لا تكون العلاقة الحميمة الهدف الأساسي من الإقدام على خطوة الزواج، ولكنها، من دون شك، أحد أعمدة بنيته الصحيحة. العلاقة الحميمة ليست غريزة جنسيّة ولا مسألة حسّية بحتة. بل هي، بالإضافة إلى دورها في تأسيس أسرة ناجحة، تعزّز مشاعر الائتلاف وتعمّق أواصر الودّ بين الزوجين...

وفي ظل غياب هذه العلاقة المقدّسة، التي شرّعها الله ونادت بها الأديان وأشادت بدورها المجتمعات الأسريّة، تضحى مؤسسة الزواج في حالة عجز حرجة، قد تصل إلى اليأس المدمّر، وقد يؤخّر شللها التام بعض من حبٍّ صامت يصارع مرارة الواقع.

في هذا الحوار مع الاختصاصيّة في علم النفس، الدكتورة إيلين عطا، استطاعت ""الجميلة"" أن تسلّط الضوء على أهم الأسباب التي تختبئ وراء فشل الزوجين في الاتصال جسديّاً، والبحث في وسائل العلاج المتوفّرة لحل هذه المشكلة.

 

كيف نعرّف هذه المشكلة؟

-  إنّ غياب العلاقة الحميمة بين الزوجين يعني وجود زواج غير مكتمل. وفي علم النفس، يحتاج الاختصاصيون إلى مرور ما لا يقلّ عن ستة أشهر على غياب الاتصال الجسدي بين الزوجين، حتى يتمكّنوا من تشخيص المشكلة.

 

 

ما هي العوامل المسبّبة لها؟

 

- تشكل الجنسيّة المثلية أحد الأسباب التي تقف عائقاً في وجه العلاقة الناجحة بين الزوجين، حيث تكون الرغبة تجاه الجنس الآخر شبه معدومة، وهو أمر قد يرتبط بالرجل أو بالمرأة أو بكليهما معاً. بالإضافة إلى بعض المشكلات الأخرى، كالخجل والخوف وعدم التمتّع بالخبرة الكافية أو الوعي العاطفي والجسدي. وما يجدر الإشارة إليه، هو أنّ هذه الأسباب وغيرها لا يمكن تصنيفها ضمن فئة واحدة جسديّة أو نفسيّة، لأنها عامل جسدي- نفسي (psychosomatic) أي متعلّق بالنفس والجسم معاً.

 

 

هل يشكّل الاعتداء الجسدي أحد مسبّبات هذه المشكلة؟

- يعتبر الاعتداء الجسدي ،الذي يتعرّض له المرء في طفولته، أبرز الأسباب التي تؤثّر في علاقته مع الآخرين وتحديداً مع شريك حياته. فحادثة من هذا النوع من شأنها أن تحفر في ذاكرة الشخص مشاهد وصوراً مؤلمة، سرعان ما يسترجعها لحظة مقاربة الشريك. وبالأخص إذا كانت المرأة هي التي تعرّضت للاعتداء.

 

 

ما هي علاقة التربية بهذه المشكلة؟

- للتربية دور مهم في نمو الطفل وتطوّر ذهنه. فالأطفال بطبيعتهم يتمتّعون بفضول لا حدود له، وأكثر المواضيع التي تثير تساؤلهم هي تلك المتعلقة بالجنس. وهنا يأتي دور الأهل في توجيه أولادهم وإشباع فضولهم بطريقة صحيحة، فلا يشعرونهم بأنّ ما يفكرون فيه أو يبحثون عن أجوبة له أمر معيب ومحظور، لأنّ تصرفاً من هذا النوع قد يزرع خوفاً وخجلاً لدى الطفل، يرافقه مدى الحياة.

 

 

 ما هي عواقب التربية القاسيّة؟

- ليس من المطلوب نهائيّاً أن يكون الأهل متساهلين مع أبنائهم في هذه الأمور، ولكن في المقابل عليهم توخي الحذر، فكلما كانت التربية قاسية، تحمل من الممنوعات والتأنيبات ما يثير خوف الأطفال، كلما كانت عواقبها وخيمة.

ومن النتائج السلبيّة التي قد تظهرها التربية المتشدّدة في هذا المجال، إصابة الرجل بنوع من التردّد والخوف من الإقدام على مقاربة زوجته، أو أن تسيطر على الفتاة بعض المخاوف من رغبة الزوج ومما تخبّئه لها هذه العلاقة من آلام ومعاناة.     

 

 

كيف تصفين الحالة النفسّية للزوجين؟

- عند اتخاذ القرار بطرح المشكلة على اختصاصي والبحث عن حلّ لها، يكون الزوجان في حالة من الكآبة والإحباط، أشبه بالإنهيار. فهما يعيان تماماً أنّ مشكلة صعبة وجدت مكانها بينهما، وهي تهدّد علاقتهما بشكل جدّي. ومع الأسف، فإنّ معظم الحالات المماثلة تصلنا في وقت متأخر، أي بعد مرور أكثر من أربع سنوات على غياب العلاقة الحميمة بين الزوجين.

 

 

وما الذي يحمل الزوجين على الصبر كل هذه المدة؟

- في معظم الأحيان تكون المشكلة مرتبطة بالطرفين معاً. أي أنّ الرجل والمرأة يعانيان من عدم القدرة على التجاوب مع الشريك لأسباب معيّنة. عندها يشعر كلّ منهما بالاطمئنان كونه ليس وحده المسؤول عن فشل العلاقة، وأن ّالطرف الآخر يشاركه المسؤوليّة. الأمر الذي يجعل عجلة المبادرة إلى طرح المشكلة والبحث عن حل لها، بطيئة.

 

 

كيف تكون المعالجة؟

  • الزواج غير المكتمل كما سبق وذكرت، ناتج عن بعض المشكلات الجسديّة- النفسيّة، التي يعاني منها أحد الزوجين أو كلاهما. وانطلاقاً من هنا، تكون الاستعانة باختصاصي في علم النفس أمراً ضرورياً. أولاً للبحث في العوامل التي تسبّبت بهذا الوضع، وثانياً لإيجاد الحل المناسب. ويستدعي العلاج خضوع الزوجين إلى جلسات ثنائيّة، لا يتعدّى عددها الخمس عشرة جلسة.

     

 

كيف يستطيع الأقارب والأصدقاء المساعدة؟

- نظراً لحساسّية الوضع ودقته، يكون من الصعب جداً على الزوجين طرح الموضوع أمام الأهل والأصدقاء. ناهيك عن أنّ مناقشة هذه المشكلة مع أشخاص لا يملكون القدر الكافي من الخبرة والمعلومات المتعلقة بحالات مماثلة، لن يساهم بحلها، بل على العكس سيزيدها تعقيداً.

 

 

ما هو دور الحب في تخطي الأزمة؟

- على عكس ما يعتقد البعض فإنّ غياب العلاقة الجسديّة بين الزوجين قد يخفّف من وهج الحب، ولكنه لا يطفئه. فالمشاعر بين الزوجين موجودة، وهي قد تترجم أحياناً ببعض العبارات العاطفيّة واللمسات الحنونة، حتى وإن لم تكمل طريقها نحو العلاقة الحميمة. وهذه المشاعر والأحاسيس المرهفة التي يتبادلها الطرفان، تساعدهما كثيراً على تحمل أعباء الموقف الذي يمرّان به، وعلى تخطّي الأزمات.

 

 

لماذا يتردّد الزوجان في اللجوء إلى إختصاصي؟

- هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تسيطر على أذهان الناس، منها أنّ اللجوء إلى إختصاصي في علم النفس هو أمر معيب، وقد يكون حكراً على الأشخاص اللذين يعانون من "أمراض نفسيّة". وهذا المفهوم الخاطئ يشكّل أحد الأسباب التي تمنع الزوجين من الإقدام على هذه الخطوة. بالإضافة الى عامل الخجل الناتج عن التربية المتشدّدة.

 

 

كيف يمكن التخلّص من هذا التردّد؟

- عندما يدرك الزوجان أنّ ثمّة حل لمشكلتهما، وأن حياتهما الزوجيّة سوف تسعد وتهنأ من جديد، وأنّ ما ينتظرهما من سعادة ومستقبل زاهر سوف يعوّض عليهما الماضي المؤلم الذي عاشاه ويمحو كل آثار التجارب القاسيّة التي مرّا بها، سوف يتمكّنان عندها من استبدال التردّد بالحماس.

أضف تعليقا