موضة السبعينات: مصدر الوحي الدائم لكل دور الأزياء

خارج زمن الحربين العالميّتين اللتين حدّتا من سوق تجارة الأقمشة، وحتّى أواخر ستّينيّات القرن المنصرم، لم يكن ارتداء أزياء قديمة ضرباً من التأنّق، لا سيّما في أوساط الطبقة المخمليّة، باستثناء أفراد كالـ سالزمان ربطوا قِدم هكذا ثياب بالندرة، وبالتالي بترفٍ يفوق قيمةً الثراء المادّيّ الذي يحيط بهم. إشارةً إلى أنّ هذا الواقع لم يكن حال الحقبات التي سبقت القرن الـ20 – أقلّه لدى عامّة المجتمع – حين لم تكن خطوط الموضة تتجدّد على مشارف كلّ عقدٍ جديد، وذلك حتّى أواخر القرن الـ19؛ مع العلم أنّ عجلة الموضة بدأت بالتسارع ابتداءً من القرن الـ15، ما أتاح مساحةً كبيرة لتجارة الأزياء المستعملة، إنّما في الظلّ أو تحت غطاء مزادٍ علنيّ أو عبر متاجر تقبل بمنح القروض مقابل قطع ثمينة يعود أغلبها إلى حقباتٍ غابرة أو بات مع الوقت قديماً.


لكنْ لا ننكرنّ أنّ عقود القرن الـ20، التي شكّلت ثورةً في الموضة العصريّة، استقت صيحاتها من أزياء الحقبات القديمة، إلّا ستّينيّات ذلك القرن، في قسمٍ كبير منها، التي، وعلى حدّ قول الفنّان دايفيد هوكني David Hockney، "لم تُعِد إحياء شيء (من الماضي)". وكردّة فعل على موضةٍ مستقبليّة رأسماليّة، ثارت البوهيميّة على كلّ ما تمثّلها؛ فإذ بمناهضي الحرب ضدّ الفيتنام يرتدون سترات عسكريّة مستعملة وتي-شيرات فضفاضة، ويتبنّون حقائب من قماش الكتّان الخشن الخاصّ بالبذّات العسكريّة، ممهّدين لموضة سبعينيّات جازت فيها كلّ الخطوط، حتّى باتت مرجعاً ثقافيّاً، اجتمعت في كنفه الأزياء الجاهزة التي استحضرت في أنماطها رسوم ما قبل الرفائيليّة ورومانطيقيّة القرن الـ19، مشتملةً على تصاميم قديمة مستعملة، إلى جانب الاتّجاه الغالب لفساتين وتنانير الميني والماكسي والميدي.

 


أمّا أوّل ظهورٍ فعليّ لأزياء الـVintage، فشهد عليه فجر السبعينيّات عبر إطلالات أُطلق عليها لقب The Granny Look، نسبةً إلى الأزياء المحبوكة بتقنيّة الكروشيه، وإشارةً إلى إطلالات تعبق بنفحاتٍ تاريخيّة، اشتهر بعضها بتقنيّة الترقيع، كصرخةٍ في وجه أسلوب الستّينيّات الاستهلاكيّ: ثورةٌ اجتماعيّة أطلقها بوهيميّو تلك الحقبة، أو حركة الـHippies، تحت شعار "الفقر الاختياري" أو Elective Poverty، لا تشبه في مفهومها موجة اقتناء الملابس المستعملة التي سادت في العقود التي سبقتها. من هذا الشعار ومن هذه الثورة، استحقّت الموضة شرف إدخال مصطلح كالـVintage إلى قاموسها، والذي لطالما ارتبط بعصارة العنب، التي تستمدّ سمتها الفاخرة من عتقها ومرور السنين عليها...


تزامناً، واكب بعض مصمّمي العصر هذه الموجة، فاستوحوا مجموعاتهم من العقود السابقة، في خطوةٍ التصق بها مسمّى الـRetro، الذي يدلّ على أزياء تستعيد في تصميمها خطوطاً من موضة قديمة: قصّاتٌ أعلاها مستقىً من موضة الخمسينيّات المفصِّلة للقوام الأنثوي، مع فتحات الصدر والظهر البارزة؛ وحاشيات فساتين طويلة تتطاير ببصمة الانسيابيّة الخاصّة بالثلاثينيّات وبأسلوب Madame Vionnet، رائدة هذه البصمة؛ إلى الإرث الحضاري بطبعاته الثريّة، كالنمط الريفيّ بأكمامه الواسعة. أسماءٌ كبيرة لمعت في فلك تلك الحقبة، لعلّ أوسّي كلارك Ossie Clark كان أبرزها، والذي أبدع في تطويع أقمشة الكريب والشيفون والساتان ذات الزخرفات الآسرة من توقيع زوجته سيليا بيرتويل Celia Birtwell، في إطلالات غرفت من تعقيدات الأربعينيّات أجمل تفاصيلها، في مزجٍ منمّق مع خطوط الثلاثينيّات.
ظاهرةٌ أخرى سجّلتها متاجر Biba اللندنيّة، لصاحبتها المصمّمة باربرا هيولانيكي Barbara Hulanicki، الذي كان يستقبل ما يقارب الـ100 ألف زائرٍ أسبوعيّاً، والذي لقبّته العارضة الشهيرة تويغي Twiggy بالـ"المختبر القديم"، ومسرح أزيائه أفلام الأربعينيّات الدراميّة التابعة لمدرسة الـFilm Noir.  

 

إقرئي أيضاً:

كيف بدأت فصول الخياطة الراقية؟

الفن للفن... عنوان عروض الخياطة الراقية

ما الفرق بين الخياطة الراقية والأزياء الجاهزة ؟

أضف تعليقا
المزيد من إتجاهات الموضة